التربية ومعيار "سنة التأخر"
صدرت منتصف الشهر المنصرم حركة النقل الخارجي للمعلِّمين والمعلِّمات لعام 1445/ 1445هـ على مستوى المناطق كافة بعد دمج الفئتين ضمن برنامج التكامل الإلكتروني. وكانت نتائج حركة النقل الخارجي لهذا العام مخيبة للآمال، ولم ترقَ إلى توقعات المعلمين والمعلمات، وذلك من خلال أطروحاتهم وشكاواهم ومطالباتهم بعد خروج نتائج الحركة. الغريب في الأمر أن الوزارة، ممثلة في وكالة الوزارة للشؤون المدرسية والإدارة العامة لشؤون المعلمين، تحاول أن تقنع المجتمع بأسره بأن الحركة ممتازة، ولبَّت رغبات الكثيرين والكثيرات، في وقت الذي يوجد فيه مطالبات بإعادة النظر في نتائجها وما صاحبها من نقل بعض مَنْ لم يطلبوا نقلاً بالأساس، كما نُشِر عن أحد معلمي محافظة عفيف، الذي نُقِل إلى جدة، والكثير من الملاحظات التي تدل على أن هناك خللاً كبيراً في نتائج الحركة لهذا العام، ومع ذلك صرحت الوزارة بما معناه "لا أريكم إلا ما أرى.. وطقوا برؤوسكم في أكبر جدار يا معشر المعلمين والمعلمات"، ومن كان لديه شكوى يتقدم بها ويعترض!
نقول لإخواننا في الوزارة، وأخص الدكتور سعد الفهيد – وفقه الله – وكيل الوزارة للشؤون المدرسية، الذي ألتمس فيه روح التغيير والتجديد من خلال لقائي به أثناء لقاء سمو الوزير معلمي ومعلمات السعودية العام الماضي: نحن نعلم أنه لن يكون هناك تراجع عن الحركة، وأمر الله ماضٍ على الجميع، ولكن كيف للجميع أن يقبل نتائج حركة حدثت فيها أخطاء بهذا الحجم من حيث نقل من لم يطلب نقلاً، إلى جانب نقل آخرين وعدم نقل مَنْ يتفوقون عليهم في كل المعايير؟ هذه الأخطاء تعطي دليلاً على عدم صحة نتائج الحركة؛ حيث إنها سلبت حق النقل من مستحق ومنحته لآخر، واختل بذلك سُلّم الترتيب في النقل. ثم إن المعايير التي أقرتها الوزارة على حركة النقل هذا العام كانت غير منطقية، وذلك من خلال النقاط الآتية:
– طرحت الوزارة العام الماضي معيار سنة التقدم للتصويت من خلال منتدياتها قبل أن تُخترق، وصوّت ما يتجاوز النصف من عدد المصوتين على عدم قبوله، ومع ذلك أُقِرَّ معياراً!! فكيف ترفض الأغلبية المعيار وتذهب الوزارة لاعتماده؟! وأكد عدم قبول المعلمين هذا المعيار دراسة علمية أجراها أحد الإخوة في محافظة الطائف. والمصيبة الأعظم أنها جعلت هذا العنصر المعيار الأول في المفاضلة.
– معيار سنة التقدم الذي أقرته الوزارة هذا العام لم يحفظ حق المتقدمين في الترتيب منذ العام الماضي، الذين لم يغيروا ترتيب رغباتهم بل تراجعت أرقامهم للخلف بشكل كبير!! فأصبح من المسلَّم به أن نسميها سنة التأخر، وليست سنة التقدم.
– سلبت الوزارة من ذويها حق الأقدمية الوظيفية، وكلنا نعلم أن الأقدمية في كل أجهزة الدولة حق مكتسب للموظف للمفاضلة على أي ترشيحات أو نقل أو ترقية أو خلاف ذلك؛ فهل تسعى الوزارة يا تُرى إلى سلب ما تبقى من حقوق للمعلِّم حتى أقدميته في الخدمة عندما تهمل هذا الجانب؟!
– تم استثناء معيار سنة التقدم من حساب النسبة المئوية للمعايير، ووضعه في البداية، وفي هذا إجحاف بحق ذوي سنوات الخدمة الطويلة الذين تطرأ عليهم ظروف طارئة وهم في الأساس لا يُشكِّلون إلا نسبة ضئيلة جداً سنوياً وأغلب المتقدمين للحركة ممن خِدْمتهم تحت متوسط السنوات العشر.
إذا كانت الوزارة تسعى فعلاً لتحقيق الرضا الوظيفي للمعلمين والمعلمات فمن الضروري إقرار ضوابط محدَّدة وثابتة، تضمن حق الجميع في النقل، وتضمن كذلك احتفاظهم بالترتيب في النقل؛ لأن التغيير المستمر للمعايير يُقلق المعلمين والمعلمات، ويُحدث نوعاً من الفوضى، ويُسلب حق أشخاص لمصلحة آخرين، كما يخلق نوعاً من الضبابية في مصداقية الحركة؛ نظراً إلى عدم وضوح مسألة حساب النقاط.
وكم نتمنى أن تسمع لنا وزارتنا وتثبت لنا ذلك فعلاً لا قولاً، وذلك بإعادة ترتيب المعايير بعد عقد ورشة عمل تدعو لها عضواً من كل إدارة تعليمية، وتستشير المعلمين والمعلمات في ذلك، وتأخذ بكل المقترحات. وسأطرح هنا بعض النقاط؛ لعلها تجد أذناً صاغية:
– معايير النقل ليست قرآنا مُنزَّلاً؛ ولذلك من الأهمية بمكان مراجعتها، وخصوصاً بعد هذا الكم الهائل من الشكاوى؛ فلا تنزعج الوزارة من مطالب معلميها ومعلماتها وتواجهها بالتصريحات النارية التي أقرب ما يقال عنها أنها "تسد النفس".
– لا بد أن تكون هناك ورشة عمل في وقت مبكر بداية العام القادم، تدعو لها وكالة الوزارة للشؤون المدرسية مَنْ تراه من الإدارات التعليمية كلها من المعلمين والمعلمات، وليس من مسؤولي شؤون المعلمين والمعلمات.
– المعايير كلها لا بد أن تدخل في حساب النسبة المئوية، ولا يستثنى منها أي معيار كان؛ فكما أن لمن تقدم منذ عام أو عامين للحركة حقاً في معيار سنة التقدم كذلك لمن خدمته 20 عاماً حق في معيار تاريخ المباشرة في الخدمة؛ فكل معيار يأخذ جزءاً من النسبة المئوية؛ وبذلك كلٌ يضمن حقَّه في النقل.
– استبعاد الأداء الوظيفي من المعايير؛ لأنه معيار مضلل، وكثيراً ما تنتفي معه الضوابط الأخلاقية في تقدير الدرجة؛ فتجد مَنْ يعطي المعلِّم حقه وتجد مَنْ يبخسه، وتجد مَنْ يجامله؛ لذلك من الأفضل استبعاده نهائياً.
– تكون المعايير قابلة لحساب النتائج وتقدير الأحقية، بمعنى أنني أستطيع أن أعرف أن دفعة العام الفلاني نُقلت للمنطقة الفلانية؛ لأن الوضع بحسب الآلية الجديدة من تثبيت الرغبات وتغييرها وسنة التقدم أصبح ناتجه "حيص بيص"، ولا يمكن قبول نتائجه مهما كانت تبريرات الوزارة مع احترامنا الكبير.
كلنا أمل في سمو وزير التربية ووكيل الوزارة للشؤون المدرسية والمدير العام لشؤون المعلمين بأن يكون هناك تقنين لمعايير الحركة الخارجية وضبطها وديمومتها إلى حد كبير، بما يضمن حقوق الجميع في النقل، وليس "لخبطتها" سنوياً وإحداث خلل يدفع نتائجه المتضررون من المعلمين والمعلمات.
الدكتور/ عائض بن سعيد الغامدي
إعلامي تربوي
https://www.sabq.org/sabq/user/articles.do?id=598