الدارمي هو أحد الوان الشعر الشعبي العراقي يتكون من شطرين ،صدر
وعجز، وكل بيت من الدارمي هو بمثابة قصيده كامله لما يحمله من بلاغة
المعنى وجمال الصور ودقتها.
وقد سمي سابقا بشعر البنات لأن أكثر من نظمه كان من البنات ،
حيث كانت الظروف والتقاليد الأجتماعية في الريف والقرى
تفرض قيودا وكبتاً على
الفتاة، ولا تستطيع التنفيس عن مشاعرها ، فكان هذا النوع من الشعر متنفسا
لبث المشاعر والشكوى وعادة يكون اسم الشاعرة مجهولا.فيتناقل الناس بيت
الدارمي دون معرفة شاعره.
وقد سمي أيضا السهل الممتنع لأن نظمه يبدو سهلا وفي متناول الجميع لكن
الحقيقة غير ذلك.
وزن الدارمي أو تفعيلته هي :
مستفعولن مفعول مستفعلاتن
مستفعولن مفعول مستفعلاتن
لم يتفق الباحثون حول معنى تسميته بالدارمي وهناك آراء كثيرة حول ذلك
فيقال إن أول من قاله هن نساء الدوارم والدوارم هم أحد فروع قبيلة بني
تميم القبيلة العربية الكبيرة والمعروفه ، وقد تواجدت في فتره من الزمان في
مناطق جنوب العراق ولا زال للقبيلة آثار ورجال بالمنطقه الجنوبيه من
العراق .
يستطيع شاعر الدارمي أن يعبر عن قصيدة كاملة ببيت دارمي
قال الشاعر:
وَلَمّا تَلاقَيْنا علَى حافَةِ رَمْلَةٍ
وَجَدْتُ بَنَانَ العامِرِيَةِ أَحْمَرا
فَقُلْتُ أَتُخَضبِيْنَ الكَفَّ فِي غِيابِنا
فَقَالَتْ مَعاذَ اللهِ ذَلكَ مَاجَرَى
إلى آخر القصيدة..
فقال شاعر الدارمي:
قلتلها تتحنين بجفاج إليه
قالت مسحت العين وأثر بديه
قلت لها : هل خضبت كفيك بالحناء في فراقي؟
فقالت :بل مسحت دمع العين فصبغ يدي بالحمرة كالحناء !!
وفي الليل
حيث يتوحد العشاق مع وجعهم
وشكواهم
تطلعت فتاة إلى النجوم وقالت:
نجمة صبح يهواي واسقط على غطاك
وبحجة البردان أتلفلف وياك
ألا ليت روحي
نجمة صبح جذلى
فتسقط على دثارك يا حبيبي
وبحجة البرد ألتف معك في دثارك!!!
وقالت أخرى:
رضرض جميع أعضاي مرخص عليها
بس بالك على الروح جيف أنت بيها
(رضرض: كسِّر، مرخص: أمنحك رخصة، بس بالك:خذْ حذراً وترَّفَقْ ، جيف:لأ،َّك)
لك رخصة لتكسير وتدمير جميع أعضائي..
لكن رفقا بالروح ياحبيبي لأنك فيها !!!
وقالت أخرى:
عمده أرد أتيه الروح وبعاصف الريح
بلكي على نزل أهواي من يصفن تطيح
(عمده: متعمدَّة ، أرد:أُريد ، بلكي: أتمنى ، نزل: حي ، يصفن: يهدأ)
أريد أن أطلق الروح عمداً
لتطير في عاصف الريح
أملاً أن تطيح على منزل حبيبي
عندما تهدأ الريح!!!
ولك أن تتصور مدى الوفاء والتعلق بالحبيب
قالت امرأة حرموها من حبيبها وزوجوها بالقوة من غيره:
حبلى و أهز كاروك تسعه اليلعبون
ماجوز أنا من أهواي لمن يشيبون
(كاروك: مهد الطفل ، اليلعبون: الذين يلعبون ، ماجوز: لا أتوب ، لمن: الى أن)
حبلى أنا
وفي المهد طفل أناغيه
وهناك تسعة أطفال يلعبون
ومع هذا فانا لا أتوب من هوى حبيبي
حتى يغزو الشيب هؤلاء الـ11 طفلا !!!
وقالت أخرى تمشي وهي تحمل طفلا بين يديها وتمسك آخر من يده وتضع
ثالثاً فوق كتفها:
البيدي والبلكاع والعلى متوني
ماجوز أنا من أهواي لو قطّعوني
(البلكاع: الذي على الأرض، العلى : الذي على ، متوني :أكتافي)
أقسم بطفلي الذي أمسك يده بيدي
وطفلي الذي يمشي ورائي
والآخر الذي أحمله على أكتافي
أنني لا أتوب من حبيبي
حتى لو قطَّعوني أربا أربا!!!
ويصل الشوق حداً في قلب فتاة فتقول:
كون انقلب فنجان بيد القهوجي
و أوصل الحلك أهواي واشكيله وابجي
(كون: أتمنى لو، الحلك: إلى فم)
لو أنني أصير فنجاناً
بيد الذي يوزع القهوة في المضيف
حيث يكون حبيبي متواجدا مع رجال القرية
ولما أصل الى فم حبيبي
أشكو له لوعتي وابكي حرقتي !!
وهذه ترى حبيبها يعمل في حصاد الحنطة والشعير
وقد أحرقت شمس القيط خدوده فتقول:
ريت الشعير يطير والحنطة دوده
ولفي بحر الكيظ ذبلن خدوده
(ولفي: حبيبي ، الكيظ: القيظ)
أتمنى ان يتلاشى الشعير
ويندثر من الحقل
والحنطة يأكلها الدود
ولا يبقي منها شيئا
لأن حبيب الروح قد ذبلت خدوده
تحت شمس القيظ وهو يقوم بالحصاد !!!
وهذه فتاة تطحن الشعير بالرحى وتغني:
ماتنسمع رحاي بس ايدي تدير
اطحن بقايا الروح موش اطحن اشعير
ليس لرحاي صوت
وإنما فقط يدي هي التي تدور
حيث أطحن فيها بقايا روحي وليس الشعير !!!
وللوفاء حكاية …تقول إحداهن لحبيبها:
بيد أرد اخيط العين بيد اشلع الفص
خافن تصد بجفاك ولغيرك تبص
بيد أخيط العين
وبالأخرى أقلع فصها
لكي لاترى غيرك في غيابك
أو تنظر للاخرين !!!
وأخرى أقعدها المرض شوقا لحبيبها فأتوا بطبيب ليكشف عنها فقالت:
رد يالطبيب الجاي لاتجس نبضي
صدق بعد مشوار والعمر يقضي
لاتتعب نفسك أيها الطبيب القادم
لترى نبضي
فثق أن العمر سينتهي بعد لحظات !!!
وكان الناس في القرى يشعلون نارا لتكون دخانا كثيفا لطرد البعوض ليلا
وكانت فتاة تجلس قرب الدخان وترخي مدامعها شوقا وحنينا إلى حبيبها
وحين يسألونها أهلها عن سبب دموعها تقول أنها بسبب الدخان:
أقعد بنص الليل واذكر وليفي
وبحجة الدخان أبكي على كيفي
وتقول أخرى:
يايمه شيلي الزاد بالهم تغديت
جابولي طاري أهواي بالزبده غصيت
أرجوك يا أمي ارفعي الزاد
فلست بحاجة اليه
فالهَمُّ هو زادي
وقد غصَصْتُ بالزبد
حين ذكروا أمامي اسم حبيبي !!!
وهذه فتاة التقت حبيبها بعيدا عن عيون الرقباء فتمشت معه بين البساتين
وعلى الأشواك في الحقول :
من أمشي عالعاكول اني وي الأسمر
تتمزلك الرجلين جنّي على مرمر
(العاكول:نوع من ألاشواك، تتمزلك: تتزحلق ، جنّي: :كأني)
وعندما تمشيت مع حبيبي الأسمر على الشوك
كانت قدماي تتزحلق كأنني أمشي على مرمر !!!
وهذه تشكو لصاحبتها:
هم حلو وهم ازغير هم أخضر عيون
بس بيه طبع مو زين لو واعد يخون
إن حبيبي جمع كل صفات الحسن والجمال
فهو جميل وصغير السن وعيونه خضر
لكن فيه طبع غير محبوب
وهو إذا واعدني للقاء لا يوفي وعده !!!
وهذه تحكي لصاحبتها عن لقائها بحبيبها بعد الجفاء:
بسته وحلاة البوس بعد التجافي
وقلبي على البوسات يحسد شفافي
(بسته: قبلته ، حلاة: حلاوة ، البوس: التقبيل)
لقد قبلته وما أحلى القبلات بعد الفراق
ومن لذتها صار قلبي يحسد شفاهي !!!!
وهذه جمعها لقاء مع حبيبها فنام في حضنها:
أرد انشد العشاق من مثلي مشتاق
بحضيني غافي اهواي وابكي من الفراق
أريد أن أسأل العشاق من منهم وصل درجة اشتياقي؟
فهاهو حبيب الروح غافٍ في حضني
لكنني مازلت أبكي من لوعة الفراق !!!
منقول عن الأديب حيال محمد الأسدي