تخطى إلى المحتوى

ونقنا من الخطايا



النظافة والطهارة من الأمور الأساسية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ، ومن ذلك تنظيف الأفنية والدور ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها ". وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من التخلي في الطرقات وفي ظل الناس وأماكن انتفاعهم وجعل من يعمل ذلك يعرض نفسه للعن ، فقال صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل ". وجاء في السنة أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة ، فقال صلى الله عليه وسلم : " وإماطة الأذى عن الطريق صدقة» .

ولا يشعر بأهمية وفائدة نظافة الطرقات والمرافق العامة إلا من فقد ذلك و رأى فقده رأي العين ، وهو ما عاينه أهل مكة المكرمة عندما أضرب عمال النظافة في مطلع محرم لهذا العام 1445هـ عن النظافة ، فتجمعت النفايات في الحاويات حتى أصبحت كالجبال فوقها.
وقد أوجس أهل مكة خيفة من عاقبة هذه النفايات ، وخافوا من الأضرار المترتبة على بقائها لو طال إضراب العمال … ولكن الله سلم وانتهى الإضراب بعد قرابة الأسبوع .
ولكل واحد منا أن يتخيل كيف يكون الوضع لو طول إضراب العمال ، وما حال الناس وشوارعهم ومواضع اجتماعهم لو لم يقم عمال النظافة بتنظيفها لمدة طويلة .
بل دعوني أذهب أبعد من هذا كيف سيكون وضع الناس لو بقيت هذه النفايات في بيوتهم ، وما حالهم لو كانت في مواضع طعامهم ، وشرابهم ، ونومهم ، وكيف وكيف … من المقطوع به أن الإنسان لن يصبر على هذا الحال وسوف يسعى إلى تغييره بكل ما أوتي من إمكانات .
فإذا كان هذا الحال مع نظافة بيوتنا وما حولنا ، أفليس من الأولى أن نسعى إلى نظافة قلوبنا وجوارحنا من النفايات ، وأن نحرص على تنقيتها أولاً بأول ؟
المقطوع به أنه لا يخالف في ذلك عاقل فنظافة الجوارح ، ونظافة القلب ـ والذي هو موضع نظر الله ـ من نفايات المعاصي أهم من نظافة الشوارع والبيوت والأماكن العامة .
إن القلب إذا نظف من نفايات المعاصي نظفت سائر الأعضاء من المعاصي ، وظهر أثر ذلك عليها . فعلامة القلب النظيف سلامة الأعضاء وبعدها عن المعاصي ، وقد جاء في الحديث " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. ألا وهي القلب " .
وبهذا نعلم كذب دعوى من يدعي سلامة قلبه وطهارته ونظافته من النفايات إذا كان لا يظهر منه إلا الأذى والمعاصي ، فلو صدقه في دعوى طهارة قلبه لظهر ذلك على جوارحه لا محالة .
ومن خطورة هذه النفايات أنها تعود إلى القلب مرة تلو المرة فقد جاء في الحديث " تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى يصير القلب على قلبين أبيض مثل الصفا لا يضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربد كالكوز مجخيا وأمال كفه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما اشرب من هواه " .
إن من يتساهل في الوقوع في المعاصي ، ثم لا يبادر إلى التوبة منها ، فهو على خطر عظيم ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال : " إياكم ومُحقراتُ الذنُوبِ، كقَومٍ نَزلُوا في بطْنِ وادٍ فجاءَ ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ حتى أنضَجُوا خبزتهم، وإنَّ محقَّراتِ الذُّنوب متى يُؤخذ بها صاحبُها تُهلِكْهُ" .
وقد جاء الأمر باجتناب القاذورات ، وأن من وقع في ذلك فعليه أن يستتر بستر الله وأن يبادر إلى التوبة منها فقال صلى الله عليه وسلم : " «اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله, فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله» .
ولأهمية الطهارة من الخطايا كان من أدعية استفتاح الصلاة الدعاء بالنقاء من الخطايا ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد "
قال الشيخ البسام ـ رحمه الله ـ : " وهذا دعاء في غاية المناسبة في هذا المقام الشريف، موقف المناجاة، لأن المصلى يتوجه إلى الله. تعالى في أن يمحو ذنوبه وأن يبعد بينه وبينها إبعاداً لا يحصل معه لقاء، كما لا لقاء بين المشرق المغرب أبداً، وأن يزيل عنه الذنوب والخطايا وينقيه منها، كما يزال الوسخ من الثوب الأبيض الذي يظهر أثر الغسل فيه، وأن يغسله من خطاياه ويبرد لهيبها وحرها، – بهذه المنقيات الباردة الماء، والثلج، والبرد. وهذه تشبيهات، في غاية المطابقة ".

وقد يقول قائل : وما الحل لتنظيف القلب والجوارح من هذه النفايات إذا كانت تعود للإنسان المرة تلو المرة ؟
فجوابه : المبادرة إلى التوبة ، وسرعة العمل على رفع الخطأ فور وقوعه ، كما يبادر الإنسان إلى إزالة النفايات حتى لا تجتمع عليه ، فتنظيف نفايات القلوب ، والجوارح أولى وأهم أن يبادر الإنسان لإزالتها .

وختاماً : اللهم باعدْ بيننا وبين خطاينا ، كما باعدت بين المشرق والمغرب ، ونقنا من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس واغسلنا من خطايانا بالماء والثّلْجِ والبَرَدِ .

سبحان الله و الحمد لله

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.