بسم الله الرحمن الرحيم ..
جاء في حديث ضعيف، وحسنه بعض أهل العلم أن من اقتراب الساعة ظهور موت الفجأة، وموت الفجأة موجود من قديم الزمان ولكن ظهوره وانتشاره في الأزمان المتأخرة أكثر منه في الزمان المتقدم، وفي زمننا هذا يكثر موت الفجأة بالسكتات القلبية، أو الجلطات الدماغية، أو الذبحة الصدرية، أو ارتفاع ضغط الدم أو السكر أو انخفاضهما، ترى الرجل الشديد المعافى الذي لا يشكو بأسا فيصرع فجأة بأحد هذه الأعراض، أو ينام فتكون نومته الكبرى، والدراسات الطبية تثبت أن موت الفجأة بهذه الأعراض يزداد يوما بعد يوم حتى أضحى ظاهرة معلومة، وفي البلاد المتقدمة في الطب ظهر فيها أن أمراض القلب هي السبب الأول للوفاة.
والملاحظ أن غالب هذه الأعراض المميتة تنشأ عن توتر القلب وعدم استقراره وراحته بسبب صخب الحياة وإزعاجها في هذا الزمن، وكثرة المشكلات وتعقدها، والقلق والتوتر يلازمان أكثر الناس؛ ولذا فهم أحوج ما يكونون إلى سلامة قلوبهم واستقرارها وعدم توترها، وأنفع علاج لذلك الديمومة على ذكر الله تعالى؛ فإن به راحة القلوب وطمأنينتها [الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] {الرعد:28} وللصلاة تأثير عجيب على القلب وإراحته، وإفراغ ما فيه من شحنات التوتر والقلق؛ والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( كان إذا حَزَبَهُ أَمْرٌ صلى) وكان يقول: ( يا بِلاَلُ أَرِحْنَا بِالصَّلاَةِ )رواهما أحمد.
وموت الفجأة لا يخرج عن قدر الله تعالى وتدبيره، ومعلوم أن الدعاء يرد القدر، وكان من دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْهَدْمِ وَأَعُوذُ بِكَ من التَّرَدِّي وَأَعُوذُ بِكَ من الْغَرَقِ وَالْحَرَقِ…) رواه أبو داود عن أبي الْيَسَرِـ رضي الله عنه ـ .
والجامع بين هذه الأربعة شدتها وكونها فجأة وروى ابن عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( كان من دُعَاءِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ) .
وموت الفجأة قد يكون من فُجاءة النقمة، ثم إن فجع الإنسان بموت صفي أو قريب فيه زوال النعمة، وتحول العافية؛ ولذا تعوذ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك، وحري بمن يخاف الفواجع والمفاجآت أن يحافظ على هذا الدعاء المبارك.
ومن الأدعية النافعة في اتقاء مفاجأة البلاء في النفس والولد ما جاء عن عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رَسُولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ( من قال بِسْمِ اللَّهِ الذي لَا يَضُرُّ مع اسْمِهِ شَيْءٌ في الأرض ولا في السَّمَاءِ وهو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لم تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حتى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حين يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لم تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حتى يُمْسِيَ )رواه أبو داود وصححه الترمذي وابن حبان.
وليتق العبد ظلم الناس والتعدي عليهم وبخسهم حقوقهم، فكم من مظلوم دعا على ظالم في ماله وولده، فاستجيب له ففقد الظالم ماله، ومات أولاده أمامه.
وقد جاء عن مطرف بن عبد الله ـ رحمه الله تعالى ـ : أنه كان بينه وبين رجل كلام فكذب عليه فقال مطرف : اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر مكانه ميتا، فرفع ذلك إلى الوالي فقال: قتلت الرجل، قال لا ولكنها دعوة وافقت أجلا.
ولما كان موت الفجأة أخذةُ أَسِفٍ في حق المفرط، والأسِفُ هو الغضبان؛ فإن مما يطفئ غضب الله تعالى الصدقة كما جاء عن أَنَسِ ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عن مِيتَةِ السُّوءِ) رواه الترمذي وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصححه ابن حبان.
ومن مات له قريب فجأة فليحتسب ويصبر فور علمه لأن الصبر عند الصدمة الأولى كما جاء في الحديث، ويسعى في نفعه بالصدقة عنه، والدعاء له، وإبراء ذمته من الحقوق التي عليه؛ كما روت عَائِشَةُ ـ رضي الله عنها ـ أَنَّ رَجُلًا قال لِلنَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لو تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لها أَجْرٌ إن تَصَدَّقْتُ عنها قال نعم) متفق عليه.
وبما أن الموت قد يفجأ العبد في أي لحظة فواجب عليه أن يكون مستعدا له بالتوبة والاستغفار والعمل الصالح، ومجانبة الموبقات وسائر المحرمات، وأن يكتب وصيته لبيان ما له على الناس، وما للناس عليه، وكتابة الوصية لا تقرب الأجل، كما أن عدم كتابتها لا تبعده، روى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أَنَّهُ سمع رَسُولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ له شَيْءٌ يوصى فيه يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إلا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ قال عبد الله بن عُمَرَ: ما مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سمعت رَسُولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ذلك إلا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي ) رواه الشيخان.
ومن كان مستعدا للموت بالعمل الصالح فإنه لا يخشى مفاجأته، قال عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة إنك تموت غدا ما قدر أن يزيد في العمل شيئا، قال الذهبي: كانت أوقاته معمورة بالتعبد والأوراد. وعن أبي عوانة قال: لو قيل لمنصور بن زاذان إنك تموت غدا ما كان عنده مزيد.
اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ..
منقول للفائدة ..