اطلعت على مقالة الأخ العزيز الكاتب الدكتور علي الموسى المنشورة في صحيفة الوطن الغراء يوم الأحد الموافق 4 رجب 1445هـ بعنوان "وثيقة سياسة التعليم : جاهلية القرن العشرين" ، وقد أذلهني ما تضمنته المقالة من مجافاة للحقيقة وتجاوز في القول بلغ حد وصف الوثيقة المشار إليها بالفضيحة ، وقبل هذا وبعده خلو المقالة من أي دليل معتبر على أيٍ من الدعاوى الكبيرة والخطيرة التي تضمنتها.
ولأن موضوع سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية من أهم المواضيع التي يجب أن يعتنى بها ، ولأن التعليم ومناهجة في المملكة قد أضحيا منذ الحادي عشر من سبتمبر 2024م هدفاً يرميه كل من هب ودب سواء من خارج المملكة أم من داخلها ، فقد وجدت من واجبي أن أصحح المغالطات والأخطاء التي تضمنتها مقالة الدكتور على الموسى وأن أبين وهو الأهم إجحاف وعدم مصداقية ما وجه ويوجه إلى التعليم في المملكة من نقد بل وهجوم شنيع لا تسنده أدلة ولا تعضده براهين.
أولاً : إن من الواضح أن الدكتور علي حفظه الله لم يقرأ وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية إلا قراءة سطحية ولم يتعمق في دراستها وتحليلها ، حيث لم يطلع عليها إلا قبل ليلة أو ليلتين من كتابته مقاله كما ذكر ، ومن الواضح أن تعجّله وعدم تعمّقه في قراءتها (إلى جانب احتمال وجود أسباب أخرى) أوقعاه فيما وقع فيه من أخطاء شنيعة وغير مقبولة.
ثانياً : يدّعي الدكتور علي في مستهل مقالته أنه اكتشف بالصدفة أن وثيقة سياسة التعليم في المملكة لم تذكر اسم الوطن الذي تتحدث عنه كاملاً ، أي المملكة العربية السعودية ، على الإطلاق ، حيث قال ما نصه: "حين اكتشف بالصدفة أن هذه الوثيقة لم تكتب اسم الوطن الذي تتحدث عنه ، ثلاثيا ، ولو لمرّة شاردة في "236" فقرة من سفرها الضخم" (انتهى كلام الدكتور علي) ، في حين أن عنوان الوثيقة هو: "سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية" ، وفي حين أن الفقرة الأولى من الوثيقة تقول وبجلاء لا لبس فيه ما نصه: "والسياسة التعليمية في المملكة العربية السعودية تنبثق من الإسلام الذي تدين به الأمة عقيدة وعبادة وخلقا وشريعة وحكما ونظاما متكاملا للحياة ، وهي جزء أساسي من السياسة العامة للدولة وفق التخطيط المفصل فيما يلي" ، كما إن الفقرة الثالثة والعشرين من الوثيقة تقول ما نصه : "شخصية المملكة العربية السعودية متميزة بما خصها اللّه به ، من حراسة مقدسات الإسلام وحفاظها على مهبط الوحي واتخاذها الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة…." ، فأي حالة ذهنية ونفسية كان فيها الدكتور علي حفظه الله عندما قرأ الوثيقة حالت بينه وبين رؤية هذه النصوص الواضحة قبل التورط في زعمه الغريب ؟
ثالثاً : لم يكتف الدكتور علي بما سبقت الإشارة إليه ، وإنما أتبعه مباشرة وبدون أي مقدمات بكلام لا أدري والله بم أصفه ، حيث قال ما نصه: "ولمصلحة من كان هذا "الاحتلال التربوي" الذي ألغى شعباً ووطناً كي "لا يكون" أبداً في وثيقة سياسته التعليمية؟" ، وأقول غير متردد إن هذا الكلام المنفلت لا يُقبل من أكثر الناس جهلاً وأقلهم معرفة ، فكيف بأستاذ جامعي وكاتب صحفي في صحيفة مرموقة ؟، فأي احتلال هذا الذي تتحدث عنه أيها العزيز؟ وكيف ألغي الشعب والوطن ؟، وأي وطن هذا ، بل وأي شعب اللذين خنعا واستسلما لهذا الاحتلال الغاشم على مدى ستة وأربعين عاماً دون أية مقاومة حتى قيّظك الله لتقود ملحمة النضال لتحريرهما ؟ ، وكيف نسيت أيها العزيز أو غاب عنك أن الوثيقة التي تتحدث عنها وثيقة رسمية أقرها مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية برئاسة شهيد القدس ورائد التضامن الإسلامي الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله الذي أعلم يقيناً أنك تعلم من هو حق المعرفة ، وصدر قرار بها من مجلس الوزراء بتاريخ 17/9/1389هـ، حمل الرقم 779 ، فهل هو رحمه الله وجزاه عن الوطن والأمة خير الجزاء ومن كان معه من أعضاء مجلس الوزراء هم من سلّموا الشعب والوطن للمحتلين الغزاة ؟ وهل هم من وقّعوا وثيقة الاستسلام المذل الذي أجلى الوطن والشعب بل ألغياهما من وثيقة سياسة التعليم حسب تعبيرك ؟ وكيف غابت عنك أو لم تفهم وأنت الكاتب وأستاذ اللسانيات الفقرة الثامنة والأربعين من الوثيقة التي نصها : "تبصير الطلاب بما لوطنهم من أمجاد إسلامية تليدة ، وحضارة عالمية إنسانية عريقة ومزايا جغرافية وطبيعية واقتصادية ، وبما لمكانته من أهمية بين أمم الدنيا" ، أي وطن بالله عليك هذا الذي حرصت الوثيقة على تبصير طلابه بما له من أمجاد إسلامية تليدة؟ وأي وطن هذا الذي تقول الوثيقة إن له حضارة عالمية إنسانية عريقة ؟ وإن له مكانةُ متميزةً بين أمم الدنيا ؟ ، وكيف لم ترَ أنار الله بصرك وبصيرتك الفقرة الثالثة والعشرين التي نصها : " شخصية المملكة العربية السعودية متميزة بما خصها اللّه به ، من حراسة مقدسات الإسلام وحفاظها على مهبط الوحي واتخاذها الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ، ودستور حياة ، واستشعار مسؤولياتها العظيمة في قيادة البشرية بالإسلام وهدايتها إلى الخير"، ومن هي في نظرك هذه المملكة التي تقول الوثيقة إن الله عزّ وجلّ خصها باتخاذها الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ودستور حياة ؟، بل من هي هذه المملكة التي تقول الوثيقة: إن من مسؤولياتها " قيادة البشرية بالإسلام وهدايتها إلى الخير" ؟، أتراها مملكة أقامها الإخوان المسلمون دون علمنا في بلاد واق الواق ؟ أم هي جمهورية أسسها الإسلامويون الظلاميون في كوكب المشتري ؟ وماذا ستفعل أيها العزيز بعد تجلّي هاتين الفقرتين لبصرك وبصيرتك بقولك الغريب العجيب: إن "الوثيقة بكل اختصار هي تجسيد لأهداف وتوصيات "جاهلية القرن العشرين" التي غرق فيها الشعب" ؟
إنني لا أملك إلا أن أقول: ما أعظم فريتك وما أشنع ما وقعت فيه من أخطاء ساقك إليها الفجور في الخصومة.
رابعاً : يقول الدكتور علي ، هداه الله وأنار بصره وبصيرته ، ما نصه: "وفي مقابل الحضور الهزيل لتاريخ وشعب وقيادة الوطن الذي تتحدث عنه وثيقة سياسة تعليمه، ترد مفردة "الأمة" في "26" تكراراً، وأيضاً في التضمين غير المباشر لعشرات الفقرات التي تلغي لدى الطالب أي حضور لتاريخ وطنه وولائه لجغرافيته المستقلة وخياراته السياسية" ، وأقول للدكتور علي : ما هذا االإجحاف والتجني أيها العزيز ؟، وأي حضور هزيل تتحدث عنه ؟ إن من الواضح أنك لم تستعن بعلمك في اللسانيات عندما قرأت الوثيقة أيها العزيز ، ولتنويرك بما غفلت عنه ، وباستخدام منهجك في توظيف أعداد مرات تكرار المفردات أقول لك: إن مفردة "المملكة" أي (المملكة العربية السعودية) وردت خمس عشرة مرة في الوثيقة ، وإن مفردة "الدولة" أي (الدولة السعودية) وردت خمسا وعشرين مرّة ، وإن مفردة "المجتمع" أي (المجتمع السعودي) وردت خمس عشرة مرة ، أي ما مجموعه خمسا وخمسين مرّة ، هذا عدا التضمين غير المباشر الذي يصعب حصره بل عدا مفرداتٍ مثل "مجتمعُه" ( أي مجتمع الطالب) التي تكررت ثلاث مرات ، "وولاة أمره" التي تكررت أيضا ثلاث مرات ، و"وطنه" التي تكررت مرتين ، بل إن مفردة "الأمة" التي شرقت بها أيها العزيز ، وردت في الوثيقة في كثير من المواقع في سياق لا يمكن أن يفهم منه إلا أن المقصود هو "المجتمع" ، (أي المجتمع السعودي) ، مثل ما ورد في الفقرة التاسعة والخمسين ونصه : " غرس حب العمل في نفوس الطلاب ، والإشادة به في سائر صوره ، والحض على إتقانه والإبداع فيه ، والتأكيد على مدى أثره في بناء كيان الأمة" ، وكما تعلم فإن أبناء المملكة ولله الحمد لا يعملون في الغالب الأعم إلا في وطنهم ، أو ما ورد في الفقرة المئة والثمانين التي نصها : "تهتم الدولة بمكافحة الأمية وتعليم الكبار ، وتدعم هذا النوع من التعليم فنيًّا ومالياً وإدارياً ، وذلك تحقيقاً لرفع مستوى الأمة ، وتعميم الثقافة بين أفرادها" ، وهل يمكن أن يخفى على عاقل أيها العزيز أن المقصود هنا هو المجتمع السعودي ؟ ، وبخاصة أن سياسة التعليم في المملكة لم تضع من ضمن أهدافها إنشاء مراكز لتعليم الكبار في حواضر الأمة الإسلامية وبواديها ؟ ، وكيف غاب عنك أن مفردة "الأمة" وردت في الوثيقة أحياناً لتؤكد مبادئ إسلامية عامة من مثل ما ورد في الفقرة السادسة والخمسين التي نصها: " التربية الخاصة والعناية بالطلاب المعوقين جسمياً أو عقلياً ، عملاً بهدي الإسلام الذي يجعل التعليم حقاً مشاعاً بين جميع أبناء الأمة" ، فلماذا التهويل أيها العزيز وكيف تغيب الموضوعية بهذا الشكل عن أكاديمي مثلك؟.
وبعد هذا أقول: إن من المحزن جداً ألا يدرك أو يتجاهل أستاذ جامعي حقيقة الزمن الذي كتبت فيه وثيقة سياسة التعليم والظروف المحلية والإقليمية والعالمية التي كانت سائدة في ذلك الحين ، بل وأن يجهل أن الوثيقة أعدت ودعوة الملك فيصل رحمه الله وطيّب ثراه إلى التضامن الإسلامي كانت في أوجها ، وقد كان من الواجب والطبيعي انسجاماً مع الساسات العليا للدولة والوطن أن تكون الأمة حاضرة في سياسة التعليم وأن تكون غايات ومباديء الدعوة إلى التضامن الإسلامي متجلية فيها.
وكيف يمكن أن يغيب عن أحد من أبناء الوطن التلازم الوثيق بين هذا الوطن المبارك وبين الإسلام والأمة ؟ وكيف لا يدرك حقيقة مكانة المملكة في الأمة ومسؤولياتها تجاهها ؟ ، وهل يليق بوطن يعد رائد العالم الإسلامي ومحضن مقدساته ومثوى رفات نبية ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، أن يتجاهل انتماءه إلى هذه الأمة ، وأن يتخلى عن مسؤولياته في قيادتها وريادتها ، وأن يتقوقع على نفسه بالصورة التي توحي بها مطالبات الدكتور علي ومن هم على شاكلته ؟.
خامساً : يقول الدكتور علي في مقالته ما نصه : " هذه الوثيقة الفضيحة لا تشير في فقرة واحدة إلى مصطلحات الولاء والانتماء ولا إلى تاريخ هذا الشعب وإرثه وحضارته" ، وأقول: ما كان أغناك عن استخدام كلمة "الفضيحة" في وصف وثيقة رسمية أقرها ملك من أعظم الملوك ومجلس وزراء من أفضل مجالس الوزراء التي عرفها الوطن ، وأشرفت على تطبيقها لجنة عليا للتعليم ترأسها لعقود الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله وشارك في عضويتها نخبة من أكابر رجالات المملكة ومفكريها ومسؤوليها، وأقول كذلك : ما كان أغناك عن البهتان وقول غير الحق أيها العزيز ، وكيف لم تر ما سبقت الإشارة إليه من فقرات الوثيقة ، وكيف لم تلفت نظرك الفقرة الثانية والعشرون التي نصها : "النصح المتبادل بين الراعي والرعية بما يكفل الحقوق والواجبات ، وينمي الولاء والإخلاص" ؟ ، أو الفقرة الثامنة والثمانون التي نصها : "تدريبه (أي الطالب) على خدمة مجتمعه ووطنه ، وتنمية روح النصح والإخلاص لولاة أمره" ؟ ، أو غيرهما من النصوص الكثيرة التي تملأ جنبات الوثيقة وتتحدث عن بناء المواطن الصالح المشارك في بناء وطنه ومجتمعه والمهيأ للدفاع عنهما وحمايتهما ؟.
سادساً : يقول الدكتور علي وفقني الله وإيّاه إلى الحق ما نصه : "الوثيقة الفضيحة تتحدث عن تدريب طلابنا بصراحة مطلقة على "فكرة الجهاد" التي وردت أربع مرات في تأطير الأربع مراحل من التعليم"، وأقول: ما كان أغناك أيها العزيز عن مثل هذه الرداءة في اللفظ وفي المضمون ، فأي تدريب تتحدث عنه أيها العزيز وكأن مدارسنا تحولت إلى ميادين رماية أو ثكنات عسكرية ؟ ، وأي صراحة مطلقة وبأي صياغة وردت هذه الصراحة يا أستاذ اللسانيات؟ ، إن كلمة جهاد لم ترد في كل الوثيقة المشتملة على مئتين وست وثلاثين فقرة ، والمكونة من اثنتين وعشرين صفحة ، إلا ثلاث مرات وليس أربعاً كما ذكرت ، وسأورد الفقرات الثلاث حسب تسلسل ورودها في الوثيقة ليبين حجم المبالغة والتجني اللذين وقعت فيهما غفر الله لك : (1) الفقرة السادسة والعشرون ونصها كاملة :"الجهاد في سبيل اللّه فريضة محكمة وسنة متبعة وضرورة قائمة ، وهو ماض إلى يوم القيامة" ، (2) الفقرة الستون ونصها كاملة" إيقاظ روح الجهاد الإسلامي لمقاومة أعدائنا واسترداد حقوقنا واستعادة أمجادنا ، والقيام بواجب رسالة الإسلام" ، (3) الفقرة الرابعة بعد المئة ونصها كاملة : "إعداد الطلاب للجهاد في سبيل اللّه روحياً وبدنياً" ، فأين هو التدريب وأين هي الصراحة المطلقة في التحدث عنه في هذه النصوص الواضحة ؟ وما هو العيب في أن تتضمن سياسة التعليم المطالَبةَ بإعداد أبناء الوطن علمياّ وذهنياّ ونفسياّ وبدنياً لمقاومة الأعداء واسترداد الحقوق ؟ ثم قبل ذلك وبعده من وسوس إليك أيها العزيز بأن التعليم في مهبط الوحي وقلب الأمة التي ابتعثها الله لإخراج من شاء من عبادةِ العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام ، يجب ألا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى مفهوم الجهاد؟، وإذا افترضنا جدلاً أنه من غير المناسب ، إكراماً لعيون إسرائيل واليمين المتصهين في أمريكا، أن تشير سياسة التعليم في المملكة إلى مفهوم الجهاد أو أن تستخدم مفردة جهاد ، فماذا سنفعل بآيات الجهاد المتكررة في القران الكريم في أكثر من خمس وأربعين آية وليس ثلاث مرات فقط ؟ التي يرتلها الصغار والكبار في الليل والنهار ؟، وذلك من مثل قوله تعالى : "وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير" ، وقوله تعالى : "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" ؟، وماذا سنصنع بعشرات بل مئات الأحاديث الصحيحة المتعلقة بالجهاد والحض عليه ؟ وبعد هذا كله أيها العزيز ، وأنت الدارس للغة الإنجليزية ، ألم تمرَّ عليك كلمات النشيد الوطني الأمريكي التي تدرّس في المدارس الأمريكية ويحفظها طلاب أمريكا ، بل وينشدها كل الأمريكيين مئات وربما آلاف المرات في مناسباتهم العامة كل عام؟ وهل تأملت في مناسبة كتابتها ومضامين كلماتها وما تدعوا إليه ؟ إن كنت قد نسيت فإني أذكرك أيها العزيز ، لقد ألف كلمات النشيد الشاعر فرانسيس سكوت عام 1814 عندما شاهد سفن البحرية البريطانية تقصف حصن ماك هنري في مدينة بالتيمور الأمريكية، وهو نشيد حرب بكل ما تعنيه الكلمة يتباهى بالقتال وببسالة المقاتلين الشجعان ويحرض على الدفاع عن الوطن ، وإقرأ مقتطفات مترجمة منه إن شئت تقول:
"قل أيمكنك أن ترى مع ضوء الفجر المبكر
ما أشدنا به بفخر مع آخر لمعات الشفق،
ذي التقليمات الواسعة و النجوم الساطعة، خلال المعركة المحفوفة بالمخاطر و فوق الأسوار شاهدناه يرفرف ببسالة
ووهج الصواريخ ‘الأحمر ، وانفجار القنابل في الهواء
دلّ خلال الليل أن علمنا كان لا يزال موجوداً ؛
…………
…………
…………
و لتكن إذاً أبداً حين يقف الرجال الشجعان
بين وطنهم المحبوب و خراب الحرب
مباركة بالنصر و السلام، عسى الأرض المُنَقَذَةِ من السماء
أن تشيد بالقوة التي حفظتنا و جعلتنا أمة
إذاً علينا أن نحرر، عندما تكون قضيتنا عادلة
و يكون شعارنا بعدئذ "بالله نثق "
و الراية الموشحة بالنجوم سترفرف بنصر
على أرض الأحرار و موطن الشجعان"
فمن يا ترى من الإسلاميين المتطرفين في نظرك أيها العزيز تسلل إلى نظام التعليم الأمريكي واحتل سياسته التعليمية وجعل هذا النشيد من ضمن ما يدرسه الطلاب ، بل وأقنع الشعب الأمريكي كله بالتغني به وترديده عن ظهر قلب في كل مناسبة ؟
إنني لا أملك أيها العزيز إلا أن أقول : رحم الله القائل :
أحرامٌ على بلابلهِ الدوحُ حلالٌ للطيرِ من كلِ جِنسِ
سابعاً : لم يبيّن لنا الدكتور علي حفظه الله كيف انعكست وثيقة سياسات التعليم في المملكة التي صاغها الغرباء بعد أن احتلوها وأجلوا الوطن والمجتمع منها ، على واقع التعليم في المملكة ؟ ولا كيف غاب الوطن وقيادته ورموزه من التعليم ومناهجه نتيجة لما سعى إليه من صاغوا الوثيقة من الغرباء أو الأعداء؟ ، ولا كيف أصبح الطالب السعودي مهتماً بأندونيسيا والسنغال على سبيل المثال أكثر من اهتمامه بوطنه ؟ ولا أين وكيف اختفى مفهوم الانتماء للوطن والولاء للقيادة في مناهج التعليم وبرامجه؟
إن الذي أعلمه علم اليقين هو أن تاريخ المملكة وبخاصة تاريخ الدولة السعودية يحتل مساحة واسعة من المنهج الدراسي في كل المراحل التعليمية ، وأن مناهج ومقررات العلوم الشرعية (التي يطالب باختزالها بعض من يدّعون الانتماء للبرالية من أبناء الوطن) هي التي تغرس بحق ومن منطلق إيمانيّ بحت أسس الانتماء والولاء قبل كل المقررات الأخرى ، وأن رموز الوطن ولله الحمد بدءاً من خير الأولين والآخرين وصحابته الكرام رضوان الله عليهم ، وانتهاء بالإمامين محمد بن عبدالعزيز ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله ومن تبعهم من قادة الدولة السعودية وعلمائها وأدبائها ، يزخر التعليم السعودي بالتعريف بهم وبتاريخهم وعطائهم ، وأن الطالب السعودي يعلم عن جغرافية وطنه ، وتركيبته السكانية ، ومقوماته المادية والمعنوية أكثر مما يعرفه أي طالب آخر في العالم عن وطنه ومجتمعه ، بل إنه يدرس عن تميّز بلاده وما يبعث إلى الافتخار بها أضعاف ما يدرسه الطلاب في البلاد الأخرى إذا استثنينا الأنظمة الشمولية الفاشية.
وفي جانب آخر لم يبيّن لنا الدكتور علي وفقه الله لكل خير كيف غفل كل من تولّوا إدارة مؤسسات التعليم في جميع مراحله من الوزراء ونوابهم ومديري الجامعات وعمداءالكليات على مدى أكثر من ستة وأربعين عاماً ، كيف غفلوا جميعاً عن تلك المؤامرة وعن أولئك الغزاة الذين نفَّذوا الاحتلال التربوي الذي ألغى شعباً ووطناً كيلا يكونا أبداً في وثيقة سياسة تعليمه؟
ثامناً : يقول الدكتور علي هداه الله ما نصه : " بكل اختصار وعلى مسؤوليتي واستعدادي للمكاشفة والمواجهة: الذي كتب وثيقة سياسة التعليم في وطني أفراد لا علاقة لهم أبداً بهذا الوطن" ، وأقول لأخي الدكتور علي: ما الذي منعك من كشف أسماء أولئك الغزاة المحتلين الأجانب ؟ ومتى وكيف توصلت إلى اكتشافهم وأنت لم تقرأ الوثيقة إلا منذ ليلة أو ليلتين وبطلب من أحد أصدقائك كما ذكرت أنت في مقالتك؟ إنه يؤسفني أن أخيّب ظنك أيها العزيز وأن أقول لك حقيقة يعرفها كل من له إلمام أدنى بتاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية: وهي إن الذي أشرف على تدوين وثيقة سياسة التعليم في المملكة وشارك بنفسه في صياغتها هو المفكر والأديب والإنسان النبيل معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله وقد شاركه نخبة من رجالات الدولة ورجالات التعليم الكبار منهم العالم الزاهد معالي الشيخ ناصر بن حمد الراشد رحمه الله ، الذي كان رئيساً لتعليم البنات في ذلك الوقت ، والقاضي والتربوي الزاهد الشيخ إبراهيم بن حمد الحجي رحمه الله ، الذي كان وكيلا لوزارة المعارف في حينه ، والتربوي ووزير الحج والدبلوماسي فيما بعد معالي الشيخ عبدالوهاب عبدالواسع رحمه الله الذي كان أيضاً وكيلاً لوزارة المعارف في حينه، ومعالي الشيخ صالح الحصيّن رحمه الله ، بل وأزيدك على ذلك كله إن الوثيقة عُرضت قبل إقرارها من مجلس الوزراء وبأمر من الملك فيصل رحمه على سماحة العلامة الرباني الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله الذي كان مفتياً للمملكة في ذلك الحين ، ولعلمك أيضاً فإن وثيقة سساسة التعليم في المملكة لم تعرض على مجلس الوزراء إلا بعد أن راجعها كبار مستشاري الملك فيصل رحمه الله ، فأربع عليك أيها العزيز ، ولا تشطح بك الوساوس والأوهام ، وتذكر أن وطنك كان ولا يزال في أيد أمينة ولله الحمد.
تاسعاً : إني لأعجب كل العجب كيف لم تلفت النصوص الكثيرة المشرقة في وثيقة سياسة التعليم نظر أخي الدكتور علي ولم يجد فيها ما يخفف من تصوراته المغلوطة ، بل وتحامله غير المبرر ، تلك النصوص التي لا تفنّد كل دعاواه المجحفة فقط ، وإنما تنسف كل دعاوى الأعداء ومن تأثر بهم من أبناء الوطن واتهاماتهم الظالمة للتعليم وسياساته في المملكة ، سواء ما كان يتعلق منها بالانغلاق أم التطرف أم اهمال العلوم التطبيقية ، إلى ما سواها من الدعاوى التي لم تستند إلى أي دليل معتبر على الإطلاق. ولكي يكون الجميع علي بيّنة من الحقيقة فإنني أعرض فقرات من الصفحات الخمس الأولى فقط ، نعم الصفحات الخمس الأولى فقط ، من وثيقة سياسة التعليم المدونة في اثنتين وعشرين صفحة ، وهي تعطي فكرة عن مرتكزات سياسة التعليم في المملكة وما تؤمن به ، وذلك حسب تسلسل ورودها في الوثيقة:
الفقرة (1) "السياسة التعليمية في المملكة العربية السعودية تنبثق من الإسلام الذي تدين به الأمة عقيدة وعبادة وخلقا وشريعة وحكما ونظاما متكاملا للحياة ، وهي جزء أساسي من السياسة العامة للدولة".
الفقرة (7) الإيمان بالكرامة الإنسانية التي قررها القرآن الكريم وأناط بها القيامِ بأمانة الله في الأرض ، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً".
الفقرة (14) "التناسق المنسجم مع العلم والمنهجية التطبيقية ( التقنية ) ، باعتبارهما من أهم وسائل التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية ، لرفع مستوى أمتنا وبلادنا ، والقيام بدورنا في التقدم الثقافي العالمي" .
الفقرة (15) "ربط التربية والتعليم في جميع المراحل بخطة التنمية العامة للدولهّ" .
الفقرة (16) "التفاعل الواعي مع التطورات الحضارية العالمية في ميادين العلوم والثقافة والآداب ، بتتبعها والمشاركة فيها ، وتوجيهها بما يعود على المجتمع والإنسانية بالخير والتقدم" .
الفقرة (38) "بيان الانسجام التام بين العلم والدين في شريعة الإسلام ، فإن الإسلام دين ودنيا ، والفكر الإسلامي يفي بمطالب الحياة البشرية في أرقى صورها في كل عصر".
الفقرة (41) "تشجيع وتنمية روح البحث والتفكير العلميين ، وتقوية القدرة على المشاهدة والتأمل ، وتبصير الطلاب بآيات اللّه في الكون وما فيه ، وإدراك حكمة اللّه في خلقه لتمكين الفرد من الاضطلاع بدوره الفعال في بناء الحياة الاجتماعية ، وتوجيهها توجيهاً سليماً" .
الفقرة (42) "الاهتمام بالإنجازات العالمية في ميادين العلوم والآداب والفنون المباحة ، وإظهار أن تقدم العلوم ثمرة لجهود الإنسانية عامة ، وإبراز ما أسهم به أعلام الإسلام في هذا المجال ، وتعريف الناشئة برجالات الفكر الإسلامي ، وتبيان نواحي الابتكار في آرائهم وأعمالهم في مختلف الميادين العلمية والعملية".
الفقرة (43) "تنمية التفكير الرياضي والمهارات الحسابية ، والتدرب على استعمال لغة الأرقام ، والإفادة منها في المجالين العلمي والعملي" .
عاشراً : لقد تبارى أعداء المملكة وعلى رأسهم الصهاينة واليمين الأمريكي المتصهين منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2024م المشؤومة ، وانضم إليهم كثير من أدعياء اللبرالية في العالم العربي ، في كيل الاتهامات للفكر الذي قامت عليه الدولة السعودية بوجه عام ، ولسياسات التعليم ومناهجه فيها بوجه خاص ، وقد ساندهم بشكل أو بآخر وللأسف الشديد بعض أبناء المملكة ممن يدعون الانتساب إلى اللبرالية ، وقد تابعت كثيراً من تلك الاتهامات فلم أجد (وأنا من المختصين في التربية والتعليم) لأي منها أي دليل علمي يعتمد عليه ، وكل ما قيل ويقال ما هو إلا افتراءات محضة أو تخرصاتٍ من مثل ما أورده الدكتور على الموسى – هداه الله – في مقالته. والمتأمل فيما قاله ويقوله الأعداء عن مناهج التعليم في المملكة ، وما يردده وللأسف الشديد بعض أبنائها ، يجد أنه يدور حول مجموعة من التهم يمكن اختصارها في أنه تعليم يعلم الغلو ويدفع إلى التطرف والإرهاب ، وأنه يؤصل الشوفينية الإسلامية ولا يعلم احترام الآخر ، وأنه يبالغ في العناية بالعلوم الشرعية على حساب العلوم التطبيقية ، وأنه لا يعلّم الوطنية ولا يعتني بمفاهيمها. وكل هذه الدعاوى لا يسند أي منها دليل مادي معتبر على الإطلاق ، بل إن الشواهد التطبيقية تنقضها من أساسها ، وكل ما قُدِّمَ في فترة من الفترات من اقتباسات لجمل وعبارات وردت في بعض المقررات الدراسية فيها قسوة أو تنبيء عن تشدّد لا يمكن أن تعد دليلاً على هذه الدعاوى الظالمة ، حيث إن كل من لديه أدنى علم بالتربية وعلم النفس ، وكيفية تشكل السلوك الإنساني ، يعلم أن الجمل القليلة المتناثرة في عشرات المقررات لا يمكن أن تؤدي إلى تغيير في السلوك أو تترك أثراً في الفكر ، وبخاصة في ظل وجود كم كبير من المادة التعليمية التي تناقضها. وإن أكبردليل على صدق هذه الحقيقة أن التعليم السعودي هو من خرج كل هذه الحشود التي تعد بالملايين من العلماء والأطباء والمهندسين ورجال الأعمال والموظفين والكتاب ، ومنهم الدكتور علي وزملاؤه ممن ينتقدون مناهج التعليم ، وغيرهم الذين لم نر أي أثر في أي منهم لما يُزعم أن التعليم السعودي يؤدي إليه من التطرف والانغلاق وعدم الشعور بالوطنية ، كما إننا لا نجد أي أثر لدعوى تضخم المواد الشرعية على العلوم البحتة في المناهج الدراسية حيث نرى الطلاب السعوديين يلتحقون بكليات الهندسة والعلوم والحاسب الآلي والطب وما في حكمها في جامعات المملكة وفي أكبر جامعات العالم ويشقون طريقهم باقتدار ويتخرج كثير منهم بتفوق ، بل نجد الغالبية العظمى منهم (التي تكاد تلامس حدود الكل) من أكثر الناس اعتدالاً وتسامحاً وانفتاحاً على الآخرين ، فأين هو التطرف المزعوم؟ وأين هو الانغلاق المفترى ؟ وأين هو ذلك التضخم الذي كان على حساب العلوم التطبيقية ؟
أخيراً لم يدّع أحد في أي يوم من الأيام ولا يمكن أن يدعي أن نص وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية كامل أو إنه مقدس لا يجوز انتقاده ، ولا إن التعليم في المملكة في المستوى الأمثل الذي ينشده الغيورون على الوطن أو إنه لا يجب السعي لتطويره في كل وقت ، بل الوثيقة بحاجة إلى تطوير لتواكب ظروف واحتياجات المرحلة التاريخية الراهنة ، والتعليم بجميع مراحلة بحاجة إلى تطوير وإصلاح يليقان بمكانة المملكة وإمكاناتها ، ولكن وفي الوقت نفسه إن التجني والافتراء على الوثيقة وعلى التعليم وإلقاء التهم بلا دليل أمور كلها مرفوضة ، بل إن وصف الوثيقة بالفضيحة هو الفضيحة بعينها ، فكل مدرك يعلم أن وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية التي دوِّنت قبل ستة وأربعين عاماً من أفضل الوثائق في تاريخ المملكة ، وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار الزمن والظروف التي كتبت فيها.
إن الغلو والتطرف والارهاب الذي اتُّهِم الفكرُ السائد في المملكة بتفريخه واتُّهِمت مناهج التعليم بتغذيته لا علاقة له على الإطلاق لا بالفكر السائد في المملكة ولا بالتعليم السعودي ، بل إن فكر المملكة وتعليمها والقيم والأعراف والتقاليد السائدة فيها من أهم وأقوى ما يواجه به ذلك الغلو والتطرف والإرهاب، وإن الباحث المنصف لن يجد عناء كثيراً في التوصل إلى أن أول أسباب الغلو والتطرف والنزعة إلى العنف لدى بعض أبناء الأمة إنما يعود في الأصل وفي الدرجة الأولى إلى الأنظمة العسكرية الفاسدة التي تسلَّطت على عدد من المجتمعات العربية والإسلامية ، وٍصادمت إراداتها وتعدّت على أهم مكونات هويتها العقدية والثقافية ، بل وحكمتها بالبطش والحديد والنار، وما جرى في أقبية سجون تلك الأنظمة من التعذيب والتنكيل الشنيع بالأحرار والشرفاء ودعاة الإصلاح ، وأن ثانيَ الأسباب دسائس واختراقات أجهزة استخبارات الأعداء التي يأتي على رأسها جهاز الموساد. وإن من المؤلم والمحزن أن بعض أبناء المملكة ، وهم قلة ولله الحمد ، تأثر ببعض من دفعتهم تجاربهم المريرة في سجون الأنظمة العسكرية المشار إليها إلى الغلو والتطرف ، ثم انساق وراءهم بعدما خالطهم وشاركهم العيش في أفغانستان والبوسنة والشيشان. وإن من أعظم الظلم وأكبر الإجحاف أن تنسب تلك الانحرافات ولو بشكل غير مباشر إلى المملكة وتعليمها والفكر السائد فيها ، وغني عن القول: إن من أوجب واجباتنا جميعاً وبخاصة حملة الأقلام ، بل إن من أول مطالب الشعور بالوطنية الحقة والانتماء والولاء الحقيقيين ، أن نقف صفاً واحداً لتفنيد ما يواجهه وطننا من هذه الافتراءات الظالمة وكشف بطلانها وزيفها ، وتنوير الآخرين بحقيقة فكرنا وسياساتنا وتعليمنا ، والله وحده الهادي إلى الرشاد والحمد لله من قبل ومن بعد.
(عميد كلية التربية بجامعة الملك سعود
وعضو مجلس الشورى السعودي سابقا)