كوع الدرج بين الوزارتينعلي شارعين
خلف الحربي
كوع الدرج بين الوزارتين
إذا أخترت صعود الدرج.. أي درج.. فإنك بعد أن تقطع نصف المسافة ستجد نفسك في مساحة صغيرة خالية من الدرجات هي نقطة المنتصف بين الطابقين؛ حيث يتغير بعدها اتجاه الدرج ليصبح في الاتجاه المعاكس، مساحة صغيرة تائهة تشبه الكوع لا أعرف اسمها لذلك اسميها مجازا (كوع الدرج)، وفي غالب الأحوال تكون هذه المساحة خالية من أي شيء، ولا تصلح إلا لالتقاط الأنفاس، ورغم أنها أكبر من كل الدرجات إلا أن المرور بها لا يشكل تقدما ما، لذلك هي لا ترسخ في الذاكرة أبدا.
هكذا هي المسافة بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، فالرحلة من هذه إلى تلك تستلزم المرور بمنطقة (كوع الدرج) والعكس صحيح، وزارة التربية والتعليم لا ترى أن خريجي الجامعات مؤهلون للتدريس في مدارسها فتخضعهم لاختبارات القياس، ووزارة التعليم العالي لا ترى أن الطلبة المتخرجين من مدارس وزارة التربية مؤهلون للدراسة في الجامعات فتخضعهم لاختبارات قياس ثم تلزمهم بما يسمى (السنة التحضيرية) وهي باختصار ثانوية عامة جديدة تضاف إلى تجربة الطالب رغما عن أنفه.
قد تكون الوزارتان على حق (وهنا تكمن الكارثة!) فالمعلم الذي تخرج من الجامعة ليس قادرا بالضرورة على التدريس كما أن الطالب الذي تخرج من المدرسة ليس قادرا على مواصلة الدراسة، ولكن المنطق يقول إنه كلما كانت إحدى الوزارتين على حق كانت الأخرى على خطأ فما بالك حين تكتشف أن كليهما على حق؟!.
كان الحل الأسهل للوزارتين هو توسعة منطقة (كوع الدرج) بين الوزارتين، وهو حل خيالي يهدر الأموال العامة وتضيع في مساحته الاضطرارية أعمار الشباب الباحثين عن العلم والعمل، ففي كوع الدرج الكبير ينتظر عشرات الآلاف من الشباب نتائج تقييم كل وزارة منهما لأداء الوزارة الأخرى، وهكذا تبقى شهادة الثانوية العامة وثيقة لا تعني بالضرورة قدرة الطالب على مواصلة الجامعة كما تبقى الشهادة الجامعية وثيقة لا تعني بالضرورة أن الخريج قادر على الدخول في سوق العمل.
ما يزيد القلق في أن هذا المنطق العجيب لايبدو منطقا مؤقتا، فوزارة التربية والتعليم لم تتخذ حتى الآن الخطوات التي تجعل مدارسها قادرة على تخريج طلبة لا يحتاجون إلى سنة تحضيرية قبل الدراسة الجامعية كما أن وزارة التعليم العالي لم تتخذ حتى الآن الخطوات التي تجعل الشهادة الجامعية مقياسا واضحا لكفاءة الخريج دون حاجة لاختبار القياس، لا توجد أي مساع لمعالجة الخلل في العلاقة التكاملية بين الوزارتين حيث وجدت كل منهما حلا ذهبيا في منطقة كوع الدرج، أنه ثمن يدفعه شباب اليوم حيث تطول رحلة صعودهم بسبب توسعة منطقة (كوع الدرج) فهل سيدفعه أيضا شباب الغد؟!.