الجن خلق من خلق الله , خلقهم من نار قبل خلق آدم كما قال سبحانه :
( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ
مسنون ، والجان خلقناه من قبل من نار السموم )
الحجر/26-270 .
وكما أن لآدم ذرية فكذلك لإبليس ذرية كما قال سبحانه عن إبليس :
( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم
عدو بئس للظالمين بدلا ) الكهف/50 .
وقد خلق الله الجن و الإنس لعبادته فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار :
( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، ما أريد
منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ، إن الله هو
الرزاق ذو القوة المتين ) الذاريات/56-58 .
والجن كلهم مكلفون كالإنس منهم المؤمن ومنهم الكافر والمطيع والعاصي كما حكى الله سبحانه عنهم قولهم :
( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق
قدداً ) الجن/11 .
وجزاء الجن في الآخرة كالإنس كما قال الله سبحانه عنهم :
( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون ، فمن أسلم
فأولك تحروا رشدا وأما القاسطون كانوا لجهنم
حطباً ) الجن/14- 15 0
وسيقف الجن والإنس جميعاً للحساب يوم القيامة أمام رب العالمين فلن يتأخر أو يفر منهم أحد : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) الرحمن/33 .
ومن حاول الفرار من الجن والإنس عن الحساب فلن يتمكن كما قال عنهما سبحانه :
( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا
تنتصران ) الرحمن/35 .
وحين كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة صرف الله إليه نفراً من الجن فسمعوا القرآن وتأثروا به :
( وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن
فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قُضي ولوا إلى
قومهم منذرين ) الأحقاف/29 .
وقد آمن بعض الجن حين سمعوا القرآن كما قال سبحانه :
( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا
إنا سمعنا قرءاناً عجباً ، يهدي إلى الرشد فآمنا
به ولن نشرك بربنا أحدا ) الجن/1-2 .
وكل من آدم وإبليس وقع في المعصية لكن آدم ندم وتاب فتاب الله عليه :
( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو
التواب الرحيم ) البقرة/37 .
أما إبليس فأبى واستكبر فكان من الكافرين :
( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين )
البقرة/34 .
ومن عصى الله مستكبراً من الجن والإنس فهو تبع للشيطان , يحشر معه في نار جهنم إن لم يتب كما قال سبحانه لإبليس :
( قال فالحق والحق أقول ، لأملأن جهنم منك
وممن تبعك منهم أجمعين )
ص/84-85 .
وأولياء الرحمن من الإنس والجن يتعاونون على البر والتقوى وأولياء الشيطان من الإنس والجن يتعاونون على الإثم والعدوان . قال تعالى :
( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس
والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول
غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما
يفترون ) الأنعام/112 .
وكان الجن لهم مقاعد في السماء يسترقون السمع فلما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم مُنعوا ذلك و من استمع منهم أحرقته الشهب كما حكى الله عن الجن قولهم ::
( وأنا لمسنا السماء فوجدناها مُلئت حرساً شديداً
وشهباً ، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن
يستمع الآن يجد له شهاباً رصدا ) الجن/8-9 .
والجن معنا في هذه الأرض , ولكن من رحمة الله أنهم يروننا ونحن لا نراهم كما قال سبحانه عن إبليس وقبيله :
( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم )
الأعراف/27 .
ومن يراك وأنت لا تراه وهو عدوك فهو أشد خطراً لذا يجب الانتباه والحذر منه دائماً والاحتراس من شياطين الإنس والجن .
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري .
ما الفرق بين الجن والشيطان ؟الجن هو ذلك العالم الخفي الذي خلقه الله تعالى من النار ، خلقه الله تعالى لعبادته ، كما قال تعالى :
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
(الذريات/56 . وقد بعث نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس جميعاً .ووجود هذا العالم من الأمور المعلومة في دين الإسلام ، ومن أنكره كفر ؛ لأنه أنكر شيئا ثابتاً في القرآن الكريم ، فإن من سور القرآن سورة كاملة اسمها سورة " الجن ".
ولما كان هذا العالم – عالم الجن – مكلفا بالتكاليف الشرعية ، مأمورا بالإيمان بوحدانية الله ، وعبادة الله وحده لا شريك له ، واتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وجد فيه من أطاع وآمن ، ومن عصى وخالف وكفر .
وقد أخبرنا الله سبحانه عن ذلك على لسان الجن ، فقال عز وجل :
( وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ
أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا . وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ) الجن/14-1.
والشيطان اسم لما كفر من الجن ، فلا يقال لمؤمن الجن : شيطان ، وإنما يقال ذلك لكافرهم .
قال الله عز وجل :
( إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ) الكهف/50 .
قال الحافظ ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (1/16) :
" الشيطان مشتق من البعد على الصحيح ، ولهذا يسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا ، قال الله تعالى :
( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) " انتهى .وثبت في الصحيحين ما يدل على أن الشياطين من الجن ، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ ، فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ ، فَقَالُوا : مَا لَكُمْ ؟ فَقَالُوا : حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ . قَالَ : مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا مَا حَدَثَ ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ ؟ فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ . قَالَ : فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلَةَ ، وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ ، تَسَمَّعُوا لَهُ ، فَقَالُوا : هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ ، فَقَالُوا :
(يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى
الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ)
رواه البخاري (4921) ومسلم (449) .وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/675) :
" وفي الحديث إثبات وجود الشياطين والجن ، وأنهما لمسمى واحد ، وإنما صارا صنفين باعتبار الكفر والإيمان ؛ فلا يقال لمن آمن منهم إنه " شيطان " " انتهى .وقال الرازي في "مفاتيح الغيب" في تفسير سورة الحجر الآية 27:
" الأصح أن الشيطان قسم من الجن : فكل من كان منهم مؤمناً فإنه لا يسمى بالشيطان ، وكل من كان منهم كافرا يسمى بهذا الاسم " انتهى .
*
*الشيخ محمد المنجد