فتاة في مرحلة المراهقة.. طاهرة القلب.. لم تسمع بالأشرار..
أو سمعت بهم دون أن تراهم أو تحادثهم..
كانت تظنهم يلبسون لباسا خاصا بهم،
أو أن لهم ملامح تميزهم عن الآخرين،
كان أبوها جاف العواطف، يخاطبها بصفة رسمية،
إنه يبتسم أحيانا،
لكنه منذ بلغت ابنته التاسعة من عمرها بدأ يخاطبها بأسلوب الأوامر،
لم تسمع منه يوما كلمة حانية ورقيقة،
أما أمها فمما يحسب لها أنها حريصة جدا على تعليم ابنتها شؤون المنزل والضيافة وكذلك الحياء.
لقد كان ينتابها شعور –أحيانا- بأنها عادية الجمال،
وغير لافتة للنظر،
فكرت بالزواج وأنه استقلال وتربية أولاد ومشاكل،
رأت مسلسلات تلفزيونية،
فتعرفت على شيء اسمه ((الحب))
فتمنت أنها في بيئة غير بيئتها الصحراوية
ذات الجفاف العاطفي.
دق عليها جرس الهاتف وهي تذاكر ليلا:
– نعم.
– أهلا بهذا الصوت العذب.
– من أنت؟ وماذا تريد؟!
– أنا شاب مهموم و…
أغلقت السماعة في وجهه،
لكن ضميرها بدأ يؤنبها بأنها أخطأت في حقه،
وبأنه هو الوحيد في العالم الذي يعرفها حق المعرفة!!
ألم أقل لكم إنها طاهرة القلب؟!!
اتصل ثانية فردت عليه ووقعت في شراكه.. إلخ القصة
نعم إنها قصة مكررة ومعروفة،
لكن هل التمسنا أسبابها من جميع الجوانب؟
وهل فكرنا في أن نطرق أسبابا أخرى غير ما نكرره من إلقاء اللوم على الشباب والفتيات؟
ألم نفكر -يوما- في دورنا نحن في القضية،
وما هي الأساليب التي كانت سببا في سهولة وقوع فتيات الطهر والعفاف في شراك شياطين الإنس؟
لست أزعم هنا أنني سأتعرض للأسباب، ولكني أكتفي بذكر سبب واحد فقط.
إنه الجفاف الصحراوي في عواطفنا نحو أبنائنا.
ألم يكن من الممكن أن نتعامل مع أبنائنا ذكورا وإناثا بشيء من العاطفة والمديح
في جوانب يستحقون المديح فيها، حتى لو كانت في المظهر؟
إن شيئا من الثناء على من يُنَشَّأ في الحلية (البنت) في شعرها
أو قسمات وجهها أو ثوبها كفيل بأن يلبي رغبة هذه الفتاة في العاطفة،
ويجعلها أكثر نفورا من الأصوات المبحوحة
التي تريد إلقاءها في شرك الغزل،
والشيء نفسه نقوله في التعامل مع الأولاد.
دخلت فاطمة –رضي الله عنها- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فقام إليها، وقبلها وأجلسها مكانه،
إنها ثلاث أشياء نفتقدها في التعامل مع أبنائنا،
تأمل قليلا.. (قام إليها).. (قبَّلها)..
ولم يقل لها قبلي رأسي!!
بل (أجلسها مكانه).
وفي موضع آخر يذكر عليه الصلاة والسلام
أنها بضعة منه يريبه ما يريبها، يقوله أمام الناس.
ولما رغبت في الخادم ولم تجده عند عائشة جاء إليها بعدما علم بخبرها،
وتأمل معي قليلا كيف دخل وكيف جلس:
حيث جلس بينها وبين زوجها علي -رضي الله عنهما- حتى أحسا برد أصابعه،
ثم قال لهما بأسلوب رقيق:
ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟
سبِّحا الله ثلاثا وثلاثين واحمدا الله ثلاثا وثلاثين، وكبراه ثلاثا وثلاثين.
أو كما ورد.
كما أنه -عليه الصلاة والسلام- يجعل عائشة –رضي الله عنها-
تنظر إلى صبيان الحبشة في المسجد يلعبون من وراء ظهره،
فلا يتركها حتى تكون هي التي تطلب ذلك.
ثم هو يقبل الصبيان،
ويحملهم في الصلاة،
وفي الخطبة أمام جماهير المصلين!!
ويلعب معهم و…الخ.
كم نحن بحاجة إلى مثل هذه التعاملات الرقيقة
التي تجعل لنا أمام أبنائنا قبولا فيما نلقي إليهم من توجيهات،
وتعرفهم على مدى القرب والمحبة التي نكنها لهم.
وما يجري على الفتاة يجري قريب منه على الابن.
وإن مثل تلك الفتاة التي تحدثنا عنها آنفا كثير،
ممن تعيش في بيتٍ أهلُه صالحون،
لكن لها رفيقات يزيِّنّ لها محادثة الشباب،
ثم إذا سمعت صوت الشاب فرحت بذلك،
لأنها لم تسمع يوماً كلمةً عاطفيةً من أبيها،
واستساغت سماعها من الغريب قبل القريب.