في آخر أسبوع من الدراسة خرج بعض الطلاب وهم في غاية الفرح والسرور بانتهاء العام الدراسي ، فأردوا التعبير عن هذه الفرحة ، ولكن هذا التعبير لم يكن تربوياً ولا موفقاً وهو يدل دلالة واضحة على نوعية التربية والتعليم التي تربوا عليها فقد قاموا بالاحتفال بطريقة خاصة لم تكن معروفة من قبل حيث أخذوا يرمون الكتب بشكل جماعي في الشارع العام المجاور للمدرسة ، وقد قوبل هذا التصرف المشين باستياء بالغ من كل من رآه ، ولم تبرد سخونة الموضوع إلا و قد تجددت الحادثة بحادثة أخرى لا تقل عنها خطورة حيث تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي قيام مجموعة من الطلاب بتكسير وإتلاف أثاث مدرستهم .
إن هذه المشاهد وبكل أسف لم تكن وليدة اللحظة ، وإنها لموجودة منذ زمن بعيد وإن كانت تختلف من مكان إلى آخر ، ومن بيئة لأخرى ، ولكن خروجها إلى الشارع العام ، وتصويرها ونشرها عبر وسائل التقنية الحديثة هو الجديد فقط …
إن هذه الأحداث رغم فداحتها وخطورتها لا تقتصر على مجرد الإتلاف ، ولكنها تدلنا على فقدان الجيل للكثير من القيم التربوية والأخلاقية ، ومنها على سبيل المثال :
1 ـ عدم احترام المال العام ، فهذه الكتب ، وهذا الأثاث لا يعود لشخص واحد ، ولكنها ملك الأمة قاطبة فمن اعتدى عليها فقد اعتدى على أموال الأمة بأسرها والأمة كلها خصيمه يوم القيامة في هذا الحق ، فهذا الأثاث يستفيد منه أجيال وأجيال وإتلافه من هذا ، أو ذاك يحرم الأجيال حقها في هذا الأثاث ، أو تلك الكتب .
2 ـ ما قام به هؤلاء الصبية من إتلاف للكتب في الشارع العام يدل دلالة واضحة على عدم احترامهم للفظ الجلالة الذي يوجد في هذه الكتب .
3 ـ رميهم الكتب في الطريق وبهذا الشكل اللافت يدل على عدم احترامهم لحق الطريق ، وأنهم لا يعرفون الطريق حقه ، و أنهم لم يتربوا على إماطة الأذى عن الطريق . ووصل بهم الأمر أنهم لم يحفظوا حق المارة في الطريق ، حيث عطلوا سيرهم بتجمهرهم في الطريق ، ورمي أصحاب السيارات بالكتب.
4 ـ ومن مظاهر سوء تربية هؤلاء الصبية أنهم لا يحترمون الكبير فقد قاموا بالاعتداء على كبار السن من أصحاب السيارات ، وتعطيل سيرهم .
إن جيلاً لا يعرف لكبير حقه ، ولا لمعلم قدره لا يستغرب منه أن يرمي كتاباً ، أو يتلف أثاثاً ….
ما هذا يا قوم ، وماذا يجري في مجتمعنا ، وما هذه الثقافة التي يتربى عليها هذا الجيل فما منشأة تقوم إلا ويبدأ فيها العبث ، فمن دور الدراسة ، إلى مواضع السياحة ، إلى ملاعب الكرة ، وآخرها الكتاب يلقى تحت الأقدام ، وأما المعلم والذي يفترض منهم أن يحترموه ويقدروه قاموا ـ بكل أسف ـ بضربه وأذيته والنيل منه بكل طريقة يستطيعون بها ممارسة الأذى له
ما سبق كان عن علاقة أبنائنا بالكتاب ، فكيف كان حال أسلافنا مع الكتاب ، لقد أورد صاحب " صفحات من صبر العلماء (ص: 96) " نصاً يدل على مدى علاقة الأسلاف بالكتاب حيث قال ـ رحمه الله ـ : حكي الخطيب أبو زكريا يحيي بن علي التبريزي اللغوي , أن أبا الحسن علي بن أحمد الفالي الأديب , كانت له نسخة من كتاب (الجمهرة) لابن دريد في غاية الجودة , فدعنه الحاجة إلي بيعها, فاشتراها الشريف المرتضي أبو القاسم بستين دينارا , وتصفحها فوجد بها أبياتا بخط بائعها أبي الحسن الفالي المذكور, وهي:
أنست بها عشرين حولا وبعتها… لقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها… ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية… صغار عليهم تستهل شؤوني
فقلت ولم أملك سوابق عبرتي… مقالة مكوي الفؤاد حزين
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك… كرائم من رب بهن ضنين "
هكذا كانوا ولذلك كانوا في مقدمة الأمم ، فلما ضاعت العناية بالكتب ، وفقدنا احترام المعلم أصبحنا في ذيل الأمم .
وإني لأعجب من تسطيح المشكلة وتحميل مدير المدرسة ، أو وكيلها مسؤولية ما حدث إن هذه الأحداث أكبر من مسؤولية مدير المدرسة ، أو وكيلها إن هذا السلوك يحتاج إلى معالجة من كل الاتجاهات ويتحملها جميع الأطراف ، فالأسرة مسؤولة ، والمجتمع مسؤول ، والمدرسة ، والمعلم ، ووسائل الإعلام ، وقبل ذلك كله الطالب يعتبر مسؤولاً عن سلوكه وينبغي أن يؤخذ على يديه حتى لا يعم الفساد في المجتمع ، وعلى كل جهة أن تقوم بواجبها حتى تختفي هذه الظاهرة ويتحسن سلوك الجميع سواء مع الكتب ، أو المنشآت بجميع أشكالها من غرفة الدراسة إلى ملعب الكرة . ومن الشارع العام إلى مرافق السياحة ، المفترض أن يتربى الجميع على العناية بها والمحافظة عليها أشد من المحافظة على ممتلكاتهم الخاصة .