التغيير يبدأ من الطالب
يوسف القبلان
كنت في حديث مع قيادي أكاديمي حول واقع التعليم وتطويره، وكان يتحدث بمرارة بأنه كان طالباً في إحدى الجامعات وعاد إليها أستاذاً بعد سنوات ليجد أن برامجها ومناهجها وأساليبها لم تتغير. وكان صاحبنا يتحدث عن أهمية أن يكون الطالب هو محور العملية التعليمية وأن دور التلقي من الطالب هو دور غير مؤثر في مخرجات التعليم، وأن التعلق المبالغ فيه بالماضي وما هو موجود يعيق رؤى التطوير نحو آفاق مستقبلية جديدة.
واتجه بنا الحديث إلى أن العلاقة بين المعلم والطالب يجب أن تتغير سواءً في التعليم العام أو التعليم الجامعي وأن بناء شخصية الطالب يتطلب أن نتعامل مع الطالب كإنسان لديه قدرات ومواهب وطموحات وأنه يبحث عن الفرصة لتنمية تلك القدرات والمواهب وتحقيق الطموحات، وأن هذه الفرصة أو الفرص لن تتوفر إذا كانت بيئة التعليم غير محفّزة على الإبداع.
إن بيئة التعليم التي تجعل كل الأمور في يد المعلم أو الأستاذ الجامعي هي بيئة ذات اتجاه واحد وهذا يعني أن الطالب يتلقى فقط ولكنه لا يشارك.
ومثلما يفعل بعض الآباء مع أبنائهم كذلك يفعل بعض المعلّمين والأساتذة حين تسيطر ثقافة الماضي على ثقافة المستقبل ويطلب من الجيل الجديد أن يكون نسخة من النماذج السابقة دون اعتبار لاختلاف الظروف والاحتياجات.
إن بيئة التعليم الحديثة هي البيئة التفاعلية التي لا تكتمل بدون مشاركة الطالب في التفكير والتحليل والبحث عن الحقيقة والإقدام على المبادرات والابتكار والإبداع.
والتعليم الحديث هو الذي يعلم الطالب كيف يتعلم وليس كيف يجتاز الاختبار. التعليم الحديث يجعل الطالب هو محور العملية التعليمية بمعنى أنه هو المستهدف بكامل شخصيته وليس لتعزيز قدرات الحفظ لديه.
التعليم الحديث هو الذي يجعل كافة الطلاب يشاركون في كافة الأنشطة التي تدور في بيئة المدرسة أو الجامعة.
في هذا السياق كنت أستمع إلى أحد المشايخ الفضلاء في إذاعة القرآن الكريم وكان يتحدث عن الطالب الصامت طيلة ساعات الدراسة ثم نضيف عليه عبئاً آخر حين تنظم محاضرة لمدة ثلاث ساعات داخل المدرسة ونطلب منه أن يصمت ويستمع.
كان يقول إن هذا أسلوب غير فعّال وتنقصه مشاركة الطالب الذي يصيبه الملل من كونه مجرد مستمع صامت، والصمت في هذه الأحوال ليس حكمة بل سلبية واضحة وخلل. إنه يعبر عن الجمود في حركة تطوير أساليب التربية والتعليم فالحركة بطيئة أو غير موجودة وكأن التربويين خائفون من التجديد.
إن مخرجات التعليم التي نقول إنها يجب أن تتسم بالجودة ستكون كذلك إذا امتلكنا الجرأة على إحداث تغييرات جوهرية ونوعية في الفكر التربوي، والفكر الإداري أيضاً الذي ندير به مدارسنا وجامعاتنا، ولن تكون بداية هذا التغيير في تغيير المباني أو تحديث المعامل أو تأمين مزيد من الكتب، وإنما يبدأ التغيير بتغيير الفكر الذي يؤمن به المعلمون والأساتذة.
التغيير يبدأ بالإنسان من أجل الإنسان، وأن تكون العلاقة بين الأستاذ والطالب علاقة علمية تحترم عقل الطالب وليست علاقة تسلطية.
https://www.alriyadh.com/2019/08/13/article451807.html