بدأت فصول قصتي منذ لحظة انضمامي لركب الأحياء على هذه البسيطة , منذ أن اصطفاني خالقي لأكون من أفضل فصيل في فصيلة الكائنات الحية ؛ وهي فصيلة الإنسان والتي شرفها ربنا وفضلها على سائر المخلوقات بنعمة العقل , ثم شرفني ربي بأن اجتباني لأكون عربية مسلمة ,ثم زاداني شرفا ًوعزا ًبانتمائي لبلاد الحرمين الشريفين .
عشت ُ طفولتي كغيري من الأطفال,متنقلة بين الدراسة واللعب والضحك بعيدة كل البعد عن المنغصات والهموم والتي لم نكن نشعر بوجودها وان كانت محيطة بنا من كل حدب ٍ وصوب فقد شفعت لنا طفولتنا فعــُفـِينا بدون علمنا من مكابدة هذه المنغصات. على الرغم من صغر سني في هذه المرحلة إلا أنني كنت أشعر بأنني شيء غالي وثمين لابد من الاهتمام به والمحافظة عليه ؛ كنت ألتقط هذا من نظرات الكبار من حولي , من كلماتهم التي كنت أسمعها دائما ًعندما ندخل في مشاجرات مع أقراننا من الأولاد: لا تضرب أختك! لا تقسو عليها! لا تظلمها , ولا تستغل ضعفها ! فهي مكسورة الجناح!! هنا يشن الأولاد حملة احتجاجات مفادها :لماذا دائما ًتقفون في صف البنات؟!
في هذه اللحظة يبدأ الآباء والأمهات في سرد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ضرورة الإحسان للبنات :
"استوصوا بالنساء خيرا ً" , "رفقا ًبالقوارير" , "اتقوا الله في نسائكم فإنهن عوانُ عندكم",,,,,,,,,الخ ؛ فينقلب الأولاد وقد استوعبوا الرسالة وعرفوا الغاية , أما نحن الصغيرات فكنا نسير ُونجري ونلعب ونحن نشعر بأننا جواهر مصونة ودُرر مكنونة تسير على الأرض.
انتهت الطفولة السعيدة وجاءت مرحلة المراهقة افتتحت هذه المرحلة المهمة بارتدائي أجمل لباس في حياتي ؛ لباس العفة والطهارة , لباس العزة والشرف , لباس الصفاء والنقاء ….إنه حجابي الساتر والذي بارتدائي له أكون مطيعة لربي ولرسولي محمد صلى الله عليه وسلم ,كانت لدي قناعة شخصية أصيلة بالمصالح العظمى لهذا الحجاب سواء على شخصي أو على مجتمعي .
كان من أبرز ثمار هذا اللباس الساتر والذي ألقى بظلاله علي هي نظرات الاحترام والتقدير ممن حولي , حتى ممن لا يعترفون بالحجاب الاسلامي الساتر كنت أشعر بأنني أنتزع نظرات الاحترام منهم انتزاعا ً وان كابروا !!!
في هذه المرحلة كنا نستقبل العديد من التوجيهات والنصائح من أمهاتنا والتي كان لها بالغ الأثر في تكوين شخصياتنا مستقبلا ً:
"صوتك يا ابنتي غالي وليس كل من هب ودب يجوز له سماعه"
" تجملي يا ابنتي بالحياء , فالحياء شـُعبة من شـُعب الإيمان"
"احذري يا ابنتي من الذئاب البشرية , لا تكوني فريسة من السهل اصطيادها ومن ثم سقوطها في شباك الرذيلة"
"حافظي يا ابنتي على حجابك , إذا قــُدمت لك حلوى مكشوفة وأخرى مـُغلفة أيهما تختارين؟"
مع كل هذه النصائح التي تشربناها منذ نعومة أظفارنا كان يزداد إيماني ويقيني بأنني شيء غالي تزداد أهميته يوما ً بعد يوم , فلا أملك إلا أن أحمد ربي أن كتب لي هذا الشرف والمكانة في الإسلام والتي لا تحظى بها كثير من نساء العالم.
ودعتُ مرحلة المراهقة لأستقبل مرحلة جديدة في حياتي مرحلة الشباب, بدأت بالانفتاح على العالم الخارجي من حولي شيئا ً فشيئا ً, ومع هذا الانفتاح الحذر تفاجأت بأنني بعد أن كنت أسمع أصواتا ً تدعو للحشمة والوقار والحياء بدأت أسمع أصواتا ًتنعـِقُ بالتفسخ والانحلال الفكري والأخلاقي والجسدي , تعالت الأصوات المنادية بتحرير المرأة من لباس الحداد الذي كُـتِب عليها من قبل رجال الدين الملتحين على حد زعمهم,والذين لا يملكون في قلوبهم ذرة رحمة أو شفقة!!! وشـُـنت حرب شرسة على الحجاب: مزقيه أيتها الحرة , حرقيه , ثم دوسيه واضربي عليه "بكعبك العالي" ليلتفت كل من حولك ثم ينتصب واقفاً معترفا ً بوجودك , معلنة ًبذلك الحرب على ثقافة البيئة التي تخجل من وجودك!!!
نادوا بضرورة فك الحصار عن المرأة السعودية , وطبلوا للاختلاط في المدارس وأماكن العمل, ونادوا بضرورة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في كل مرافق الحياة,ونادوا بحق قيادة المرأة للسيارة,وغيرها الكثير من الدعوات المغرضة التي ما أنزل الله بها من سلطان .
ثم تخرج علينا شخصية تــُحسب علينا أنها سعودية,ومن بنات جلدتنا مع أن كتاباتها التي تخدش الحياء بشكل سافر تجعلني أتشكك في ذلك ؛ لتقول أنها اكتشفت معجزة غابت عن كثير من العلماء والمفكرين , فمن خلال أبحاثها ودراساتها الم****ة حول هذا المخلوق الغريب والذي يطلق عليه (امرأة) توصلت إلى أن:
" الأنوثة تــُعد بمثابة أعجوبة كونية تستحق العبادة والتقديس"!!!
وتبدي إعجابها بمن نحتوا أجساد النساء عراة في الطرقات والشوارع والكهوف……………..ما هذا التفكير الخـرِف؟!
ألهذه الدرجة تــُختزل المرأة بما خلقها الله من مشاعر وأحاسيس لتكون جسدا ً فقط ليستمتع غيرها بالنظر إليه, فهل الله خلق المرأة لتكون جسدا ًفقط ؟ إنني أستطيع أن أطلق على هذا التفكير "عبودية الأجساد".
ثم تأتي هذه المأفونة لتـُعلن للعالم بانعدام حياء لا مثيل له : يحق للمرأة أن تتزوج أربعة رجال بواقع ست ساعات لكل واحد ٍ منهم يوميا ً( مـُعددة عادلة,,تعلموا العدل أيها الرجال) , أي تفكير أخرق قاد صاحبته إلى هذا الجنون !!!( أقترح لسعيدي الحظ أزواج هذه البائسة المستقبليين إن رزقوا بطفل أن يتقاسموه بالتساوي , فالعدالة مطلوبة!).
إنني أتساءل وكلي حيرة وأوجه سؤالي لهذه المتحذلقة "نادين بدير" :
من الذي نصبك متحدثة رسمية بألسنتنا ؟ ثم من الذي اشتكى إليك لتظهري على شاشات الفضائيات لتقولي أنه آن الآوان للتغيير والإصلاح في السعودية , وأنه يجب أن ترسو دعائم المساواة بين الرجل والمرأة؛فالمرأة في السعودية لا تعيش مثل غيرها من نساء العالم , وغير هذا كثير من الخزعبلات والأكاذيب والأباطيل التي تبثها سموما ًفي العديد من الصحف العربية والخليجية والتي تخجل العيون الطاهرة من قراءتها فضلا ًعن النفوس.
ما هي الحياة التي ترتضيها هذه المريضة لنا نحن السعوديات , هل الحياة البهيمية التي لا تعترف الا بالجسد ومتعته رمزا ًللتقدم والرقي هي الحياة التي ترتضيها لنا؟! إذا كنتِ قد أصبت ِبجرثومة في عقلك فما ذنبنا نحن لنتحمل غثائك !!!
ثم يأتي شخص لا أدري أين أضاع رجولته, أو على من أجرها ليقول :
"نادين بدير هي التي تـُمثل المرأة السعودية الحقيقية المثقفة الناضجة……"
وأنا هنا أرد عليه وعلى زمرته بأننا نحن السعوديات الشريفات لا نتشرف بهذا التمثيل ولا نعترف به , وليس مصدر فخر لنا على الإطلاق بل على العكس عند قراءتي لكتاباتها لا أملك إلا أن أحني الرأس خجلا ً وتعجـُبا ً من هذا الانسلاخ الفظيع من الدين والوطن والعروبة …..ثم إنني أجد ُ نفسي مضطرة أن أزف بشرى لهذا المسخ البشري الذي لو ارتدى الحجاب لكان خيرا ًله! بأنك ِستخيبين وسيخيب ممشاك بإذن الله, وسيرد الله كيدك في نحرك ثم سينتهي بك المطاف إن لم تعودي إلى صوابك في مزبلة التاريخ غير مأسوفٍ عليك ؛ فأنتي ومن على شاكلتك لا تمثلون أي نسبة تـُذكر في وطننا النزيه الطاهر, أنتم لستم إلا حـُثالة لا نقيم لها وزنا ً ولا قيمة, ولا تمتون لنا بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
وأنا هنا أنتهزها فرصة لأُقدم لكل من يقول أن المرأة مخلوق مسلوب الحقوق في المجتمع السعودي , ولكل من ينادي بإنقاذ هذا المخلوق من بين أيدي المتوحشين من رجال الدين أصحاب الفكر المتشدد ؛ أمثال هذه المرأة ومن وراءها من الليبراليين ولمن في عقله شيء ولو بسيط من هوس تحرير المرأة الخبر التالي:
"توصلت دراسة من مركز ستارش البريطاني للأبحاث العالمية إلى أن السعوديات هن أكثر البنات دلالا ًعلى مستوى العالم .
حيث تمت الدراسة بناءا ًعلى عدة أمور منها أن الفتاة السعودية تـُلبى طلباتها بدون عناء , وأن الفتاة السعودية دائما ًتــُخدم إضافة إلى أنها ليست بحاجة إلى عمل فمصروفها متوفر لها من أولياء أمورها دون الحاجة للعمل.
ووصف الباحث الفتيات السعوديات بـأنهن (ملكات العالم) ويقول أن الملكة لا تقود السيارة بل الخدم من يقوم بذلك فالفتاة السعودية مثل الملكات تماما ً.
وتمت الدراسة أيضا على الاعتناء بالرشاقة وحسن المظهر واهتمام الفتاة السعوديات بجمالها حيث يقول السيد كريستروفر جولايل أن السعوديات هن الأجمل على مستوى العالم ."
نعم هذه نظرة الغرب الذي يتمتع بالديمقراطية ويدعو للمساواة بين الرجل والمرأة ويعزف على أوتارها ليل نهار؛ نعم هم يعترفون بأننا نحن السعوديات نعيش كالملكات…..إذن لماذا يسعى العالم إلى تجريدنا من هذا النعيم الذي نعيشه!والذي لا أجد له تفسيرا ًسـُوى" حسدا ًمن عند أنفسهم ", لينقلنا من حياة الملكات إلى حياة النخاسين والرقيق؟!!
وفي ختام مقالي سأعلنها صريحة كما أعلنت هي عن فكرها المنحرف المنحل صراحة ً:
لم ,ولن أخجل من ديني الإسلام الذي اختارني خالقي من بين العالم لأكون تحت مظلته!
لم , ولن أخجل من قرأني الذي هو دستوري , ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي هي منهاجنا !
لم ,ولن أخجل من كوني سعودية بل أفخر بذلك ؛ فإن لم أفخر بأنني بنت بلاد الحرمين الشريفين فمن حــُق له الفخر !
لم , ولن أخجل من حجابي رمز عفتي وكرامتي وحيائي, وحافظي بعد ربي !
لم , ولن أخجل من عادات وتقاليد مجتمعي إن لم تكن مخالفة لديني بل سنظل نتوارثها جيلا ً بعد جيل !
لفتة :هذا المقال جاء ردا ًعلى مقال بعنوان "لم أعد أخجل" للمدعوة نادين بدير.
بقلم :
أمنه محمد المعشي
طالبة في مرحلة الماجستيرـــ جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن
al.mashy@gmail.com